Tuesday 12 February 2013

الروائية شيماء الشريف في روايتها الجديدة : سِفْر اورشليم


صدرت رواية 'سِفْر أورشليم' للروائية 'د. شيماء الشريف'، في 192 صفحة من القطع المتوسط.
'سِفر أورشليم' رواية رمزية تتجسد فيها مدينة أورشليم ككيان له صوت أنثوي يقرر مصيره بنفسه بعد أن أعيتها الحيل من كثرة النزاع حولها بين ديانات التوحيد الثلاثة، فتقضي على ماضيها بنفسها وتفتح أبوابها لاستقبال رجل وامرأة لتبدأ بهما تاريخاً جديداً تفرض هي شروطه.
ويبدأ الزوجان قمر وأقمر حياتهما على أرضها وينجبان توأماً يسميانه نجم وشمس ويلتقيان بجيران مجنحين هما نور ونوران الزوجين الطيبين اللذين ينجبان بدورهما ضياء وهلال. ويعيش الجميع في سلام ومحبة في ظل رعاية المدينة الحارسة التي تخلو من مخلوق سواهم، والتي تلزمهم بتجنب الاختلاف الفكري والعقائدي، وما عليهم جميعاً سوى السمع والطاعة، وفي مقابل ذلك توفر لهم أورشليم جميع سبل الراحة والحياة الوديعة الهادئة. لكن هذا الوضع لم يرضي قمر التي تتمرد على هذا الأسلوب وتجهر بتمردها فتعاقبها أورشليم بقتل ابنتها شمس وإخفاء جثتها، فلا يبقى أمام قمر بعد فاجعتها تلك إلا أن تفكر في الهرب من مغادرة أورشليم، لكن المدينة تزلزل أرضها تحت أقدامهم وهم يحاولون فتح جزء أسفل إحدى بواباتها العملاقة فلا تتمكن قمر إلا من تهريب ابنها الوحيد نجم الذي كان بالكاد يبلغ الرابعة من العمر قبل أن تلقى حتفها هي وزوجها في الأرض التي انشقت لتبتلعهما معاً وإلى الأبد.
ويبدأ الطفل الهارب حياة جديدة في كنف الشاب يوسف صانع الحلي وأبيه السيد بحير المقدسي، دون أن تفارقه ذكرى المدينة التي وُلد وتربى فيها لأربع سنوات، وحين يكبر؛ يتبع جيوش المملكة المجاورة التي تهاجم المنطقة بهدف الاستيلاء على أورشليم التي ازداد الصخب الصادر من خلف أسوارها دون أن يعرف أحد لذلك سبباً،، وبعد نجاح الجيش في اقتحام المدينة، لا يجدون أي أثر للمدينة، التي قررت أن تلملم أرجاءها وتدفن مبانيها بأيديها بعد أن تمرد عليها حتى المجنحون الذي كانت تعتمد على استسلامهم بعد تخلصها من قمر وأقمر، فما كان منها إلا أن قررت ألا تسكن أرضاً بعد اليوم وأن تصير روحاً تسكن النفوس لتقضي على الاختلاف والخلاف لأن ذلك من وجهة نظرها هو السبيل الوحيد إلى السلام الذي لم تعرفه أبداً في تاريخها والذي تتوق إليه.
ثم تقفز الأحداث لمائة عام كاملة حيث تدور في المنطقة حرب عقائد شعواء في المنطقة، فيما نجد أستاذة الفلسفة المرموقة دُرَّة تتبنى اتجاهاً سلمياً فكرياً للقضاء على هذه الحرب، إلى أن تهرب بصحبة إحدى تلميذاتها إلى قصر أولاد نجم المقدسي - آخر من سكن أورشليم- ـ وتقرر تحدي خرافة 'لعنة أورشليم'، وتشرع في إنشاء مدينة في نفس مكان أورشليم القديمة تفتح ذراعيها لجميع العقائد للعمل سوياً تحت أغصان الزيتون.
ويعيش الجميع في سلام لعشرين سنة، قبل أن يظهر الاختلاف العقائدي مرة أخرى، وتُراق من جديد أنهار الدماء حول أورشليم وفوق أرضها.
وتتوالى الأحداث، وتتكرر دورة السلام والصراع في أورشليم، دون أن تعرف سبيلاً لخلاصها.
يذكر أن مؤلفة الرواية شيماء الشريف حاصلة على درجة الدكتوراه في الأدب الفرنسي مع مرتبة الشرف الأولى - قسم اللغة الفرنسية، كلية الآداب. جامعة الإسكندرية، عام 2009م.
وحاصلة على درجة الماجستير في الآداب بتقدير ممتاز من قسم اللغة الفرنسية، كلية الآداب. جامعة الإسكندرية، عام 2003م. وتشغل حاليا موقع رئيس وحدة بالمكتبة الفرانكوفونية بمكتبة الإسكندرية. رئيس وحدة منتدى الحوار بمكتبة الإسكندرية، في الفترة بين عامي 2003 - 2011م.

Sunday 10 February 2013

الروائي العراقي جنان جاسم حلاوي في روايته الجديدة شوارع العالم


في عمله الروائي السادس، يروي الكاتب العراقي جنان جاسم حلاوي بواقعية تنقل الآلام والأحزان وأجواء الغربة عن العراق في مدة زمنية معينة وعن تشرد الشبان العراقيين في أرجاء الأرض وتمسك كبار السن بأرضهم رافضين الانتقال إلى بلدان أخرى.
تتابع الرواية حكاية أسرة عراقية من البصرة أثناء الحرب العراقية الإيرانية ترزح تحت واقع الحرب المستعرة التي كانت المدينة المتاخمة للحدود الإيرانية ميدانها الأبرز لتتحول أيامها إلى  انتظار قاس للموت أو التهجير ومطاردة أجهزة النظام.

فالأسرة البصرية في الرواية والمؤلفة من الأب والأم وابنيْهما تبحث عن الخروج من دوامة ذلك الخوف الجاثم على الصدور ليخط كل من أفرادها الأربعة مساره الدرامي المختلف وإن اتفقوا في المصير.
يكتب حلاوي بواقعية بعيدة عن الواقعية الجافة التي ألفها القارئ في الفترة الأخيرة والتي تغرق في آلية جامدة وتفاصيل تتوالد وتتناسل ويخلق بعض منها مللا في النفس، فواقعية حلاوي حية نابضة تنقل الحياة في أحزانها وآلامها وأوهامها ولذاتها وخيباتها.
يسير في الرواية خطان بتواز ولو عن بعد. الخط الأول هو قصة سالم الذي يصل السويد من الاتحاد السوفياتي بعد فترات أمضاها في دمشق وبيروت وأماكن أخرى، وقد كان شابا شيوعيا هرب من العراق أيام حكم الرئيس الراحل صدام حسين. ومن دمشق أرسله الحزب الشيوعي في بعثة دراسية إلى موسكو، حيث ملت نفسه الانضباط الحزبي والصرامة الأيديولوجية ليهرب إلى السويد ويصبح مطاردا من رفاق النضال .

الخط الآخر للرواية في العراق، حيث يعيش والداه وأخوه الأصغر زكي الذي يبلغ 16 عاما في مدينة البصرة التي تحولت إلى ما يشبه مدينة أشباح إذ تعيش العائلة باستمرار في القبو بفعل القصف المستمر.
يسعى الأهل لإبعاد زكي إلى مكان آخر بعيدا عن ويلات الحرب، ليذهب إلى خاله في مدينة أخرى ومن هناك هربته منظمة فلسطينية كواحد من أعضائها إلى دمشق حيث سيسعى للسفر إلى الاتحاد السوفياتي متوهما أن أخاه لا يزال يعيش فيه.

في غياب زكي يشتد القصف ويحل الدمار ببيت العائلة فينتقل الأب المتقاعد مع زوجته إلى مكان آخر بعيد عن القصف إلا أن اشتباكات دارت في المنطقة بين الجيش العراقي وسكان معارضين تجعلهم يهربون مع بعض السكان في شاحنة إلى منطقة عراقية أخرى، ليجدوا أنفسهم داخل الحدود السعودية.
وُضع القادمون في مخيم دولي يشرف عليه نرويجيون وتقرر إرسالهم لاجئين إلى دول أوروبية، رفض الوالدان وقررا العودة إلى بلدهما، وبعد رحلة عذاب وصلا إلى العراق حيث حُقق معهما وقررا الذهاب إلى بيت أهل الزوجة والقبول بما تكتبه لهما الأقدار.
في المنفى ينتظر سالم القرار بشأنه، ويعاني من الوحدة والخوف من أن يطرد مرة أخرى، ويفشل في محاولات الحصول على وثائق إقامة من خلال الزواج بفتاة سويدية لتكبر هواجسه ومتاعبه وتصبح كوابيس يومية تطارده كلما غفا.
يتمسك سالم بالمنفى رغم الإهانات التي يتعرض لها هو وغيره، فهو كما يقول "يتحمل الذل لإدراكه أنه في نهاية المطاف لن يموت جوعا هو وعائلته، أو يسقط قتيلا بقذيفة طائشة أو يقتل أو يختطف ويسجن من قبل غزاة ومليشيات".
صدر قرار بترحيل سالم إلى الاتحاد السوفياتي ليجد أن السوفيات يرفضون السماح له بالدخول ليرحل من السويد إلى دمشق حيث التقى شقيقه الباحث عن طريقة للسفر إلى الخارج. التقى الأخوان خارج العراق وبقي الوالدان في العراق رغم الموت والدمار.
في الرواية نماذج تعبر عن جيل كامل من العراقيين، شخصيات قلقة ومهزوزة من الداخل تعيش حياة المنافي والتشظي النفسي وعدم الاستقرار في "شوارع العالم"، لكن حتى هذه الشوارع الباردة ترفض أن تكون وطنا بديلا ليجد أبطال الرواية أنفسهم في العراق أو على تخومه مكرهين أو طائعين.