Tuesday 2 April 2013

الرواية الأولى للكاتب رياض رمزي: التيس الذي أنتظر طويلا


كتب الدكتور حسين سرمك
عن دار الحصاد في دمشق ، صدرت مؤخرا رواية للكاتب “رياض رمزي” عنوانها “التيس الذي انتظر طويلا” ، وهي عمل سردي ضخم (446 صفحة) يمثل النص الروائي الأول للكاتب .
حمل الغلاف الأخير تعريفا موجزاً بالرواية جاء فيه :
(رواية تحتوي على موضوعات متلازمة : القدر ، الفقر، الشعر، الحب، الخيانة، العناد. الشعر وسيلة حاولت بها والدة البطل أن تجابه الفقر فتعرضت بسببه للخيانة عندما وقعت في حب شاعر كبير أراد لها أن تجعل حياتها ملحقة باشعاره . خلّف تصرفه أذى بكبريائها فابتعدت عنه . حملتها الأقدار أن تتزوج شرطيا منع عليها الشعر. كرد على ذلك قررت أن تعوّل على سلاحها الأخير : العناد الذي أورثته لابنها الموهوب شعريا . ولمتابعة انتقامها من زوج أفاض في توجيه الأذى لها ، بعثت بابنها البالغ خمسة عشر عاما للدراسة في عاصمة البلاد كي ترعى ثأرها . حصلت له حادثة مع مدرس التاريخ فقد فيها قريحته . سلخ من عمره أربعة عقود ينشد استرجاعها . محاولاته لاستعادتها أكسبت ارادته صلابة الحديد . عندما حصل على أعلى سلطة عادت إليه قريحته . لم يغمره استبشار بعودة في غير أوانها لأنها أودت به في النهاية إلى هلاكه .
الرواية هي حول رحلة الإبن الذي حاول أن يحقق نجاحا يضمّد به جروحه وجروح أمّه) .
وهذا التعريف – وخصوصا الجملة الأخيرة العجيبة المتعاطفة – يتضمن ظلما نقديا وتقويميا هائلا للرواية وموضوعتها الخطيرة ، سيشعر به أي قاريء حين يكمل هذه الرواية ولو بعد قراءة سريعة . 
إن هذه الرواية هي رحلة تشريحية نفسية عميقة في سيكولوجية الطغاة ، والكيفيات والأواليات النفسية التي تتخلق بها سلوكيات الطغيان ، والتربة الإحباطية العميقة التي تمتد فيها بدءا من تربة تجارب وحرمانات الطفولة المريرة وصدماتها المربكة ، والعلاقة الأمومية التعويضية المرضية ، وما توفّره السلطة والقوة من أستار مخادعة ومنافذ إشباعية مدمرة ، يروح ضحيتها الأبرياء الذين تُغيّب بصيرتهم فلا يمسكون بجذور السلوك الدكتاتوري بقوة ودقة .
وليس يسيرا الإمساك بحكمة الرواية ، وهي تصل في الكثير من المواقف حدود الكوميديا السوداء في موضوعة جادة وخطيرة يلاحق فيها الكاتب أنموذجا بشريا بسيطا وعاديا منذ طفولته ، حتى لحظة اغتياله بالسم على أيدي مقاومي الشعب ، وهو يخط نواة عذاباته السيكوباثية ، وجنونه ، على آخر صفحة من صفحات سيرة طغيانه السوداء المميتة ، معيدا ذاكرة المتلقي إلى الجذر المغيّب والمعقد :
(تمّ استدعاء طاقم طبّي . أبلغه كبير الأطباء بانتشار السم في جسده . تلقى الخبر بسحنة جليدية شاحبة .
طلب من مرافقيه إحضار ورقة وقلم وشرع يكتب عنوانا :
“ماذا لو تزوج حسين مردان من أمّي ؟ ” . ثم مات – ص 446 ، الصفحة الأخيرة من الرواية) .
ويتسق هذا الإشتغال على موضوعة الطغيان في هذه الرواية مع المنجز الثقافي السابق لرياض رمزي وهو “الديكتاتور فنانا” ، الكتاب الذي حظى بأهمية كبيرة وقت صدوره لتفرّده في معالجة ظاهرة انهمام الكثير من الطغاة بالفن النبيل بخلاف نوازعهم الدموية .

No comments:

Post a Comment