Tuesday 10 July 2012

أحمد عبد اللطيف في رواية "صانع المفاتيح"




كتبت: د. أماني فؤاد

 ‬يعتد أحمد عبد اللطيف بمفهوم‮ "‬الخلق الفني‮"‬،‮ ‬الخلق الذي‮ ‬يلامس الواقع ليسرق ناره،‮ ‬كما تقول الأسطورة اليونانية،‮ ‬حيث‮ ‬يأخذ النور والوهج ثم‮ ‬يرتفع بهما إلي السماء‮. ‬يبرع في هدم المتحفي‮ ‬ليعيد صياغة عناصره وتركيبها علي نسق آخر،‮ ‬مستعيناً‮ ‬بملكات خيال منطلقة،‮ ‬فتتخلق عوالم مغايرة،‮ ‬قادرة علي خلق الصور،‮ ‬وهو ما تعنيه الفانتازيا في اللاتينية،‮ ‬حيث‮ ‬يتجلي الخلق إبداعاً‮ ‬وليس إعادة إنتاج،‮ ‬ولا‮ ‬يعني هذا قطيعة مع الواقع بل طرح إبداعي‮ ‬يعيد رؤية الواقع ويعيد تفسيره‮. ‬هكذا نري‮ "‬صانع المفاتيح‮" ‬رؤيةً‮ ‬وتشكيلاً‮ ‬فعل مواكبة ومجاوزة وسبق،‮ ‬لا اقتفاء نهج وضرورة المرور بمراحل فكرية حتمية خاصة في ظل هذه الثقافة الكونية المتسارعة‮.‬

‮ ‬انطلاقاً‮ ‬من ثقافة متسعة ودراية راسخة بالموروث الحكائي العربي الذي اعتمد علي منطق الفانتازيا،‮ ‬ودراساته للغة الإسبانية وأدب أمريكا اللاتينية،‮ ‬وترجمة الكثير من الأعمال الإبداعية والفكرية لكبار الكتاب،‮ ‬تشكلت لدي الكاتب رؤية فنية خاصة للإبداع،‮ ‬لا متأثراً‮ ‬أو مقلداً‮ ‬بل مبدعاً‮ ‬مبتكراً،‮ ‬مغموساً‮ ‬حتي النخاع في العناصر الخاصة لثقافة ومعطيات مجتمعه المصري،‮ ‬خلقت هذه الإطلالات الواعية المثقفة ذهنية خيالية تجمع جرأة الأفكار وتناسبها مع الواقع الثقافي‮ ‬الخاص‮.‬

‮ ‬يحتفي الكاتب في‮ "‬صانع المفاتيح‮" ‬بالجوانب الميتافيزيقية وعوالم التصوف في الجانب المعرفي،‮ ‬ويبصر بهما مناطق إضاءات فنية تبعده عن مركزية العقل البشري‮ ‬أو منطقه الصارم بمسافة تتيح له أن‮ ‬يغازله بتشكيلات فنية ومنطق معرفي‮ ‬آخر،‮ ‬يتتابع جيئة وذهاباً‮ ‬بين الخيال والعقل،‮ ‬فعل مراوحة ومزاوجة واشتباك وقفز،‮ ‬وكلها رؤي وتقنيات تصنع عوالم من الجدل الثري،‮ ‬ويقع نص‮ "‬صانع المفاتيح‮" ‬في محيط تعريف‮ "‬الفانتازيا الذهنية‮"‬،‮ ‬أي القدرة علي تجلية تقاطع الواقع بالخيال‮. ‬كما‮  ‬يرتكز علي الثقافة الشعبية التي تحتفي‮ ‬بالأحلام وتفسيرها ونبوءات العرافات ويمتح من الموروثات الدينية والأسطورية والملحمية،‮ ‬وكلها آليات تشكل بامتياز‮ "‬تيار الواقعية السحرية‮" ‬في الأدب‮. ‬ويؤلف من المعطيات السابقة مادة فنية ثرية تشكّلت بتنوع ملحوظ في‮ "‬صانع المفاتيح‮" ‬وعمله الأحدث"عالم المندل‮" ‬القائم في‮ ‬الأساس علي الحلم والمندل وقراءة الكف،‮ ‬رغم أن كلاً‮ ‬منهما له عالمه شديد الخصوصية‮.

‬يبني أحمد عبد اللطيف ويهدم،‮ ‬يبني‮ "‬صانع المفاتيح‮" ‬الأسطورة البسيطة الأرضية،‮ ‬ويهدم أساطير أخري كثيرة اكتوي بها البشر طويلاً،‮ ‬وتصبح اللغة أداته الطبيعية لإيجاد صيغ‮ ‬أسلوبية ناصعة تصيب الهدف بدقة،‮ ‬لغة تعرف مقاصدها وتذهب إلي عمقه دون مراوغة‮. ‬تتبدي أساليب الروائي ناجزة حتي وإن تنوعت الأحداث والأفكار وجاءت واقعية أو متخيلة أو وقائع حلمية،‮ ‬وهو ما‮ ‬يكشف عن رؤية وثقافة ناضجة عند المبدع‮. ‬وهو أيضا ما‮ ‬يأخذ بيد قارئه لكشف حالة الشخوص الفكرية‮.‬
وتظل منطقة الصدمة والتساؤل في‮ ‬كتابته،‮ ‬غرائبية الفن وأشكال طرحه،‮ ‬هاجس عبد اللطيف الذي أتصور أنه معني‮ ‬بتنوع نصوصه من حيث المحتوى وتقنيات أدائه، بل والتوحد معا وهو ما يمكن أن نلراه في روايتيه ومشاريعه الروائية القادمة.



No comments:

Post a Comment